جوردن بلفورت

من وول ستريت إلى عالم الكتابة كيف تصبح كاتبا بارعًا على طريقة جوردن بلفورت؟

لا بد أن البعض منكم سمع عن جوردن بلفورت (Jordan Belfort)، ذلك الرجل الذي هزّ وول ستريت بِحِيَلِهِ، ونال لقب “ذئب وول ستريت“، يُقال أن مجلة فوربس هي من أطلقت عليه هذا اللقب في عام ١٩٩١.

اشتهر بلفورت بكونه محتالًا محترفًا ورمزًا لنشاطاته المثيرة للجدل في سوق الأوراق المالية، حيث أدين بتهمة الاحتيال وغسيل الأموال عام ١٩٩٩.

لكن قصته لم تنتهِ عند سجنه..

فبعد إنتهاء مدة عقوبته، وبعد أن بلغ الأربعينات من عمره، خاض بلفورت رحلة تحول مذهلة، ليصبح كاتبًا ومُتحدثًا تحفيزيًا.

في أحدث مقابلة له مع تاكر كارلسون (Tucker Carlson)، يُشاركنا رحلته مع الكتابة، وكيف أبدع من لا يملك قلمًا سوى قلم الاحتيال، فصار يخطّ حروفًا تُلهم وتُحفز. ليعيد منها بناء حياته من جديد ويكون رمزًا للتغيير والنهوض!

حلقة تاكر كارلسون مع جوردن بلفورت

قصّة بولفورت مع الكتابة تُروى على لسانه:

بدأت كتابة كتابي الأول بناءً على اقتراح نزيلٍ مشهور كنت أشاركه السجن يدعى تومي تشونغ 1(Tommy Chong)، أخبرني فيها إنّ حياتي مليئة بالإثارة، وأنه ينبغي علي أنا من بين الجميع الكتابة عنها.


فقلت لم لا، ووفقًا لنصيحته شرعت في الكتابة وأنا لا أعرف البتة عن أساسياتها، فلقد كانت كتاباتي فضيعة.
لكن بعد مرور شهر من المحاولات، وبالنظر إلى أنني راوحتُ مكاني مع هذه الكتابات الركيكة ولم أتقدم، قررت البحث أكثر في أصول الكتابة.


توجهت إلى مكتبة السجن لعلي أجد ضالتي فيها، وصادف أن وجدت كتاب مشعل الخيلاء (bonfire of the vanities) لتوم وولف2 (Thomas Kennerly Wolfe Jr)، قرأت كتاباته، وحينها شعرت بالذهول والرغبة في أن أصبح مثله.


وبمساعدة قلم تحديدي الأصفر، بدأت في دراسة طريقة الكتابة في هذا الكتاب، لقد حولته إلى كتابٍ مدرسي أعود إليه في كل مرة لأتعلم منه أسلوب الكتابة. وواظبت على ذلك، إلى أن أصبحت بفضله أمتلك نموذجا أحتذي به من توم وولف ليكون بوصلتي في عالم الكتابة.


استغرقت في التعلم عليه قرابة الثلاثة أشهر، حيث صَببت جُل تركيزي على طرق توم وولف في الاستعارة، وكيف يستخدم القواعد، وكيف يصف المواقع، وكذلك كيف يستخدم الصراع لخلق الاهتمام في قصته.


أثمر تركيزي على هذه النقاط في كتاباتي، ورأيتها تتحسن أمام ناظري بشكل كبير، كتبت ما لا يتعدى عن١٠٠ صفحة في السجن لكنني مزقتها بعد ذلك، لأنني لم أعتقد أنها جيدة كفاية. لا جرم أني خرجت من السجن بدون أوراق، في المقابل أنا الآن أمتلك المهارة وهذا ما يهم.


بعد انقضاء مدة عقوبتي، وفي فترة ضياعي وعودتي إلى نقطة الصفر، انصب جُل تركيزي على البدء من الجديد عن طريق الكتابة.


كتبت ١٢ صفحة جعلتني لحظتها أشعر بالفخر الشديد بنفسي، بعد ما كنت سابقًا أكره كتاباتي لسوءها بسبب افتقادي الحس والمهارة في الكتابة، ولسعادتي التي لا توصف بها أرسلتها لعدد من الأصدقاء الذين سخروا مني بعد قرائتها وهذا بالطبع لم يفت في عضدي، ولم ألق بالًا لرأيهم.


أرسلت تلك الصفحات ذاتها لوكيل أدبي لدي معه معرفةً سابقة، وأعلمته برغبتي الحازمة في نشر كتاب. سَعُد برغبتي واقترح علي أن يحضر لي كاتب الظل3، رفضت ذلك قطعًا لأني أردت أن أكتب قصتي بنفسي.


في اليوم التالي، اتصل الوكيل الأدبي علي ليسألني هل دفعت لتوم وولف ليكتب لي تلك الصفحات، إذ أن أسلوب مسودتي الأولى يتشابه مع أسلوبه بشكل كبير، دحضتُ ادعاءه بقولي: لا، هذه هي كتاباتي، من تأليفي الخاص، اندفع الوكيل الأدبي بحماسة وطلب مني كتابة ١٠ صفحات أخرى.


أرسلتها إليه بعدما استغرقت أسبوعا في كتابتها، وبعد مرور ١٥ دقيقة اتصل بي متلهفًا قائلا:
“توقف عن كل ما تفعله الآن، وركز على هذا الكتاب لأنه سيجلب السعد لحياتك، وسأنتج منه فيلمًا وسأجعل ليوناردو دي كابريو شخصيًا يأخذ دور شخصيتك”.


في الواقع، لم أكن متحمسًا بقدره إذ لم آخذ تنبؤاته بجدية، لكن كما تعلم أنا الآن في نقطة البداية إذ لا ضير من المحاولة، فأنا لا أملك أي شيء لأخسره أو بالأحرى لم يكن لدي ما أفعله.


كنت أعيش في شقة صغيرة، وأكتب لمدة ١٨ ساعة في اليوم لمدة سنة من أجل كتابي الأول (ذئب وولف ستريت).
وعند بلوغي الصفحة ٦٠، أخذ وكيلي الأدبي الكتاب إلى دار النشر الشهيرة راندوم هاوس (Random House) التي اشترت الكتاب، وهذه تعد فرصة جيدة.


لاحقًا، وبعد عام تقريبًا انتهى الكتاب، بعد أن مر بسبع تعديلات، تمكنتُ من تقليصه بشكل كبير، حيث خفضتُ عدد الصفحات من ١٠٠٠ إلى ٥٠٠ صفحة.


وبمجرد أن تحولت إلى مسودة، بدأت حَرب عروض بين براد بيت وليوناردو دي كابريو أيهما يأخذ الدور. لقد اصبت بالذهول حينها، هذا كله قبل أن تتحول مسودتي إلى كتاب. حصل ليوناردو على تقييمات عالية، وبعته له وللمخرج سكورسيزي (Martin Scorsese) بعد حرب العروض تلك.

وهكذا، انبثقت قصة ذئب وول ستريت إلى شاشة السينما لتصبح فيلمًا.


في خضمّ العمل على المسودة الأولى لفيلم ذئب وول ستريت الذي استغرق أربع سنوات بسبب التأخير، كان تضمن قصتي كاملةً حتى لحظة دخولي السجن. 


وأُؤمن بأن ما جرى في حالي تلك الفترة سيُلهم الناس ويُنعش آمالهم في مستقبل أفضل، إذ ودّعتُ شقتي الصغيرة وبدأتُ رحلتي الجديدة نحو النجاح. اشتريتُ منزلًا جديدًا، وبدأتُ بجني الأموال، والسفر وإلقاء المحاضرات، وتدريب رواد الأعمال، وتدريس مبادئ البيع. 


وعندما اتصل بي ليو ليخبرني أنهم جاهزون لإطلاق الفيلم دعوته إلى الفيلا التي كنت أقطن فيه وسرعان ما لاحظ التحول الكبير الذي طرأ على حياتي. مما أثار تساؤلاته فأخبرته أنني أُلقي محاضرات حول العالم وعرضت عليه بعض المقاطع من عروضي الحية على المسرح، فقال متحمسًا سوف يجن المخرج عند رؤية هذا. وبالفعل أعادوا كتابة الفصل الثالث من الفيلم ليقدموا لنا فيها قصة صعود جديد بعد الهزيمة.


أنا بالفعل كذلك، فلقد أعدت كتابة قصة حياتي إلى حدٍ ما..

احتفلت مثل نجم روك، وعشت كالملك
كتاب ذئب وولف ستريت، تجده في جرير

مع ختام ترجمة قصة جوردن بلفورت، وقفة مع الدروس المستخلصة من رحلته:

  •  يُظهر لنا بلفورت أنه لا يوجد عائق أمام تحقيق أحلامنا، مهما كانت صعبة. فبعد أن قضى سنوات في السجن في شبابه وتجاوز الأربعين، تمكن من إعادة بناء حياته من جديد ليصبح كاتبًا ومُتحدثًا تحفيزيًا ناجحًا.
  • أيضًا، ما مدى أهمية العزيمة والإصرار، فهو لم يتخل عن حلمه في نشر قصة حياته عن طريق تعلم الكتابة، حتى عندما واجه صعوبات جمة في البداية، ومع تعلمه المستمر سعى إلى تعلم أصول الكتابة من خلال قراءة كتب كِبار الكتاب مثل توم وولف، مما ساعده على تحسين مهاراته وتحقيق حلمه.
  • التغيير ممكن، جميع البشر قادرون على التخلص من سلوكهم السلبي وتحسين حياتهم، عندما يعلنون توبتهم الصادقة، وسعيهم للإصلاح.
  • وأخيرا نستنتج أن الكتابة للجميع، فهي ليست حكرًا على فئة معينة من الناس، بل هي مهارة يمكن للجميع تعلمها وتطويرها.

رحلة جوردن بلفورت رحلة مثيرة للفضول، ومليئة بالدروس والعبر. يقدم لنا فيها نموذجًا فريدًا لإمكانية التغيير وأن لا شي يقف في طريق الإنسان الساعي لتحقيق الأفضل في حياته، مهما كانت ظروفه وحتى بعد ارتكاب الأخطاء.

فهل ستكون قصته مصدر إلهام لك؟

لا تتردد في مشاركة أفكارك معنا في التعليقات.


  1. ممثل وكوميدي وكاتب سيناريو أمريكي، حُكم عليه بالسجن لمدة تسعة أشهر بتهمة بيع المخدرات من خلال شركة عائلته. ↩︎
  2. توماس كينيرلي وُلْف كاتب وصحفي وروائي أمريكي اشتهر بارتباطه بحركة الصحافة الجديدة. ↩︎
  3. الكاتب الشبح (Ghost Writer): يُطلق عليه بالعربية أيضاً “كاتب الظل”، وهو مصطلح يشير إلى الشخص الذي يكتب نيابة عن شخص آخر، وتعود هذه الممارسة إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد حيث كان يشيع تعيين الكاتب الشبح من الملوك. ويعرّف قاموس كامبريدج مصطلح الكاتب الشبح بأنه شخص يكتب كتاباً أو مقالاً وما إلى ذلك، لينشره شخص آخر باسمه. المصدر
    ↩︎

8 أفكار على ”من وول ستريت إلى عالم الكتابة كيف تصبح كاتبا بارعًا على طريقة جوردن بلفورت؟

أضف تعليق